توضح منال فاطمة أن الابتكار في القطاع الخاص تجاوز في السنوات الأخيرة البرامج الحكومية التقليدية، خصوصًا في إطلاق الأقمار الصناعية، وتطوير الاتصالات الفضائية، وتعزيز تقنيات مراقبة الأرض. جعل هذا التحول الجهات التجارية عناصر أساسية في منظومة الفضاء الحديثة.
يشير موقع أتلانتيك كآونسل إلى أن حلف الناتو أعلن عن أول استراتيجية له للفضاء التجاري خلال قمته لعام 2025 في لاهاي. تهدف هذه الاستراتيجية إلى تنسيق الاستثمارات، وتوحيد المعايير، ودمج تقنيات القطاع الخاص في العمليات الدفاعية للحلف، مما يعزز حماية البنية التحتية الحيوية، ويواجه التهديدات في الفضاء، ويعزز التعاون بين الحلفاء.
تشكل الوثيقة خطوة طموحة لتوظيف الابتكار والمرونة التي يتمتع بها القطاع الخاص في خدمة الأمن الجماعي. تضع الخطة الشركات التجارية في صميم مهام الناتو المستقبلية، من الاستطلاع عبر الأقمار الصناعية إلى شبكات الاتصال المقاومة للهجمات. تعتمد هذه المقاربة على نموذج قوات الفضاء الأمريكية، التي سبقت في تطبيق شراكات فعالة بين القطاعين العام والخاص.
رغم أن الاستراتيجية صُممت للدول الأعضاء، فإنها تفتح المجال أيضًا أمام شركاء موثوقين من خارج الحلف. تبرز هنا دول الخليج كلاعب واعد، إذ ضاعفت الإمارات والسعودية استثماراتهما في تقنيات الاستخدام المزدوج، في حين تملك البحرين والكويت وقطر صفة "حليف رئيسي من خارج الناتو" للولايات المتحدة، ما يوفر أرضية مناسبة للتعاون.
تملك الولايات المتحدة علاقات ثنائية قوية مع دول الخليج، وتتعاون قيادتها الفضائية مع شركات فضاء خليجية. يتيح ذلك فرصة لضم الخليج إلى منظومة الفضاء التجاري للناتو، بشرط الالتزام بالبروتوكولات الأمنية الصارمة، وتحديد واضح لطبيعة التعاون دون بلوغ الاندماج الاستراتيجي الكامل.
في إطار الاستراتيجية، يسعى الناتو إلى توحيد الاستثمارات وتبادل البيانات بين أعضائه، مع التركيز على تسريع دمج التقنيات التجارية المتقدمة في المهام الدفاعية. من أبرز الخطوات إنشاء "بوابة الفضاء" التي تربط الشركات الفضائية مباشرة بفرق الابتكار والتوريد داخل الناتو، إلى جانب خلية دمج تجاري لتنسيق العمليات بين الحلف والشركات.
أطلقت مجموعة استشارية صناعية تابعة للناتو منصة "سبايس نت"، لجمع مدخلات من أكثر من 300 شركة فضاء حول العالم. تهدف المبادرة إلى سد الفجوات التكنولوجية وتحديد حلول تجارية قابلة للتطبيق، ما يفتح بابًا أمام شركات من خارج الناتو، بما فيها الخليجية، للمشاركة بشروط محددة.
يعني ذلك أن الناتو قد يتعاقد مع عدة مزودين تجاريين لخدمات مثل إطلاق الأقمار، والمراقبة الفضائية، والاتصالات، مع تعزيز المنافسة وتوفير طاقات احتياطية في أوقات الأزمات. يشجع الحلف على عقود مرنة وإنشاء "احتياطي مدني فضائي" من الشركات الجاهزة لدعم العمليات عند الحاجة.
تُمكّن هذه المنهجية دول الخليج من دخول المنظومة. أحرزت الإمارات والسعودية تقدماً ملحوظاً في برامج الفضاء. أنشأت الإمارات مركز محمد بن راشد للفضاء، الذي تعاون مع وكالات فضاء عالمية، وأطلق مسبار "الأمل" إلى المريخ، ويستعد لمهام جديدة إلى القمر والكويكبات. كذلك، طوّرت شركة "بيانات" في أبوظبي حلولاً للاستطلاع الفضائي باستخدام الذكاء الاصطناعي، بالتعاون مع شركات أمريكية.
أما السعودية، فقد نفذت أول مهمة فضائية مأهولة عام 2023، ووسعت بنيتها التحتية الفضائية ضمن "رؤية 2030"، وانضمت إلى اتفاقيات "أرتميس" بقيادة واشنطن، وأبرمت اتفاقات متقدمة مع "ناسا".
شاركت قطر في تأمين اتصالاتها السيادية عبر برنامج "سهيل سات"، بينما أطلقت البحرين قمر "Light-1" بالتعاون مع الإمارات، وسعت عمان لإطلاق قمر صناعي خاص بها، ما يساهم في بناء قدرات إقليمية تتماشى مع أولويات الناتو: تعزيز الصمود، تنويع المزودين، ودمج التقنيات المتقدمة في الدفاع.
لكن الاندماج الكامل يتطلب مراحل دقيقة لبناء الثقة. يوصي بعض الخبراء بتطبيق نموذج "شراكات الشركاء"، الذي يسمح بدمج غير مباشر لشركات خليجية من خلال مبادرات تقودها دول أعضاء، أو مناورات مشتركة، أو منتديات تقنية متخصصة. يوفر هذا النموذج توازناً بين الانفتاح والتحفظات الأمنية.
تلعب الولايات المتحدة دور الجسر الأساسي في هذه العملية. فهي شريك فضائي رائد للناتو ولدول الخليج، وبدأت بالفعل توسيع شراكاتها في المنطقة، سواء عبر شركاتها التجارية أو مبادرات مثل استراتيجية "الشراكة الدولية" لقوات الفضاء الأمريكية، التي تركز على التمكين والتكامل وتقاسم المعلومات.
تستضيف قطر "الحيّز الفضائي" في قاعدة العديد، مما يوفر منصة جاهزة لتوسيع التدريبات الإقليمية والتجارب المشتركة. ويدعو بعض المسؤولين لفتح بوابة الناتو الفضائية أمام شركات غير عضوة تستوفي المعايير الأمنية، كوسيلة لجذب الخليج وإبعاده عن محاور منافسة كروسيا والصين.
يشكّل دمج دول الخليج في هذه الاستراتيجية مكسباً للطرفين. يستفيد الناتو من قاعدة موردين مرنة وموقع استراتيجي محوري، بينما تنضم دول الخليج إلى شبكة أمنية متقدمة. لكن يجب أن يُدار هذا التقارب بحذر، بما يضمن عدم إشعال تنافسات إقليمية أو إرباك أولويات الناتو، مع الحفاظ على المصالح المتبادلة والاحترام المتبادل للسيادة.
كما توضح الوثيقة، فإن التهديدات الفضائية تمتد آثارها خارج حدود الدول، ما يجعل التعاون مسؤولية جماعية. وبهذا المعنى، تمثّل دول الخليج شريكًا مثاليًا لبناء بيئة فضائية أكثر أمانًا واستدامة.
https://www.atlanticcouncil.org/blogs/menasource/what-could-natos-commercial-space-strategy-mean-for-the-gulf/